كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية؟
( 164) وسئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته-: كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية؟
فأجاب بقوله : هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا ويدل على أنه مطالب قوله -تعالى: {إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون .عن المجرمين . ما سلككم في سقر . قالوا لم نك من المصلين . ولم نك نطعم المسكين . وكنا نخوض مع الخائضين . وكنا نكذب بيوم الدين} فلولا أنهم عوقبوا بترك الصلاة ، وترك إطعام المساكين ما ذكروه ، لأن ذكره في هذه الحال لا فائدة منه وذلك دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام ، وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى : {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه، وكذلك قوله-تعالى- : {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} فإن قوله : {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا} دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها في الدنيا. أقول : ليس له حق شرعي ، أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله - سبحانه وتعالى- خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره، فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس ، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يحق لهذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلاً أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده ، وإذ تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله ، ولكن حساب الكافر يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساباً يسيراً يخلو به الرب عز وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول:له سبحانه وتعالى-: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) أما الكافر والعياذ بالله فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويخزى بها على رؤوس الأشهاد: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} .
هل يوم الحساب يوم واحد؟
( 165) سئل فضيلة الشيخ: هل يوم الحساب يوم واحد؟
فأجاب قائلاً:يوم الحساب يوم واحد ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة كما قال الله -تعالى-: {سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج . تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} أي إن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه ، وظهره ، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد) وهذا اليوم الطويل هو يوم عسير على الكافرين كما قال- تعالى -: {وكان يوماً على الكافرين عسيراً} وقال -تعالى-: {فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير} ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك ، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله -تعالى - على المؤمن ، ويكون عسيراً على الكافر. وأسأل الله - تعالى - أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن يسره الله عليهم يوم القيامة.
والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيه : (هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون) . ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم وأخذ الأمور على ظاهر معناها دون أن يتعمق أو يحاول القياس بينها وبين الأمور في الدنيا ، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا ، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك ، لكن بينهما فرق عظيم ، وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله - سبحانه وتعالى - في الجنة من النخل ، والرمان ، والفاكهة ، ولحم الطير ، والعسل والماء واللبن ، والخمر وما أشبه ذلك مع قوله - عز وجل -: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} . وقوله في الحديث القدسي : (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) فهذه الأسماء التي لها مسميات بها في هذه الدنيا لا تعني أن المسمى كالمسمى وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى ، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة ، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى وألا يحاول شيئاً وراء ذلك.